سميرة راجعي تكتب: الجريح المرح.

 الجريح المرح/سميرة راجعي.


     ها أنت  تجلس وحيدا في زاوية غرفتك، تحاصرك الجدران الموحشة، تدفن وجهك بين ركبتيك، وتقتلك الوحدة، بعد أن تخلى عنك الجميع، أنت كمسافر يقف في المحطة شاردا بعد أن فاته القطار، لأنك ضائع تماما، لاتعرف إن كنت سعيدا أم حزينا، حرا أم أسيرا، أنت في هذه اللحظة كورقة طائشة تعبث بها الرياح كيفما شاءت..

أنت منبوذ هم لا يحبونك لأنك مختلف عنهم، يقولون أنك مجنون تافه وغريب أطوار، وهذا لأنك كتلة من المشاعر المبعثرة، أحيانا تكون في قمة السعادة وتتملكك طاقة عجيبة، تتجول في كل مكان وأنت تقفز بمرح، من دون تعب، تحس أن هذا العالم ضيق جدا ولن يسع فرحتك العارمة، الأرض والجبال، السماء والبحار، الكون بأسره لن يحملك .. تحس أنك بطل خارق تنوي الطيران في الفضاء، وتزورمختلف الكواكب في المجرة ..جميع الكائنات التي تصادفها تثير البهجة في روحك، القطط والطيور الفراشات والزهور، كل شيء. الطعام لذيذ أكثر مما يجب، الحدائق جميلة للغاية كل منظر تراه تخاله قطعة من الفردوس.. 

 تتوالى في ذهنك أفكار عديدة فتندفع لتتحدث عنها بسرعة، تنتقل من موضوع لآخر خشية أن تنفذ منك الكلمات وتبقى أفكارك حبيسة في رأسك، تضحك باستمرار كمهرج يوزع المرح في الشارع، وكأنك أقسمت أن لا تسمح لأحد بإزعاجك.

وتأتي لحظات تتحول فيها إلى محيط من الصمت، يجتاحك حزن كبير لا تعرف سببه، تهاجمك أطياف الأسى، وتغزو صدرك غيوم سوداء تمطرك بوابل من الألم، حينها جميع المظلات في العالم لن تتمكن من حمايتك.

الأماكن التي كنت تفرح بزيارتها انقلبت جحيما بائسا، طعامك المفضل صارمذاقه مرا، الورود الجميلة أضحت أشواكا مؤذية، وفراشات الربيع تحولت إلى حشرات سامة،المساحات الخضراء الشاسعة، تبدو لك رمادية باهتة، حتى خيالاتك العجيبة، تحولت إلى مستنقع من الأفكارالجهنمية، كل ما حولك يشعرك بالضجر، فقد انطفأت النجوم التي كانت تزين سماء بهجتك، وكذلك اختفى القمر..

أنت عاجز تماما كقارب مثقوب في قلب بحر هائج ،كطائر جريح سقط في الماء لا حول له ولا قوة، ولا فائدة ترجى من جناحيه،  تحس أنك من دون فائدة، عالة على كوكب الأرض، تكره ذاتك كثيرا وتكره الناس جميعا، كل هذا يجعلك عصبيا، فظا غليظ القلب، فينفض الجميع من حولك،  ولن تجد من يحتويك، يستاؤون من مزاجك المتعكر، لا يعلمون أن الأمر ليس بيدك، لا يعلمون أنك تحاول جاهدا أن تكون شخصا طبيعيا، لكن أحاسيسك المضطربة لا تسمح لك. 

 هكذا تهرب بعيدا، وتنتبذ مكانا منعزلاعن البشر، ينقبض صدرك، تحبس أنفاسك، تبكي بحرقة حتى تجف دموعك، ولن يسمع أنينك أحد، تضيع بين أشجار مخيفة وسط الظلام، ولن ينجدك أحد، لا أحد يفهم أن شعورك يعادل شعور طفل يتيم مسكين لم يهنأ أبدا بطعم السكاكر. لا أحد يعلم أن ثمة جرح عميق بداخلك، ينزف بشدة، يود أن يصرخ بأعلى صوت، لكن صداه لا يتجاوز ضلوع صدرك..

هكذا هو الأمر عندما تكون مصابا بثنائي القطب.



تعليقات