قصةٌ قصيرةٌ بعنوان "رسالة إلى المارة" مأخوذةٌ من كتاب "ليلة ونهار وعمرٌ مليءٌ بالأسرار" بقلم الكاتبة الفلسطينية المبدعة إيمان مروان عبد الغفور
رسالةٌ إلى المارة
أحبُّ مهنتي كرحَّالة، كنتُ كلَّ يومٍ أذهبُ إلى الشاطئ لأُباشر عملي كالمعتاد، وأنهي يومي عائداً إلى البيت حاملًا معي ما أجدهُ من زجاجاتٍ متناثرةٍ على شاطئ البحر، وللأسف كانت أكثرها مؤلمةً للغاية، وبعد قراءتها في ليلتي تلك أعيدها في اليوم التالي إلى مكانها الذي اخذتها منه. ومنها كانت هناك فتاةٌ تأتي كلَّ يوم، في نفس الموعد بوجهها البؤوس، وروحها المهمشة، وقلبها المكسور، ترمي زجاجتها، وتذهب، كأنما تقصُّ للبحرِ في ميعادٍ يعقدانهِ سوية،
كنت قد اعتدتُ عليها وعلى يومياتها، حيث كنت أقرأ رسالتها اليومية باستمرار.
وهذه المرة لِشدّةِ ما آلمني ما كتبت، قررتُ في اليوم التالي أن أذهبَ وأتكلم معها قليلًا عَلِّيْ أُخفِّفُ عنها بعض ما فيها من سقم، حيثُ كَتَبَتْ:
"لأنِّي لم أجد من يفهمني، كنتُ اجتماعية جدًا، وروحي مرحة، هكذا أحبُّ حياتي ضحكتي، وبسمتي ترافقني دائمًا، أحبُّ الليلَ، والنَّظر إلى القمر، والنُّجومِ، والتَّمتع بالطَّبيعة الخلابة، كنتُ أحبُّ الأطفال، وكبار السن، وأستمتعُ بالحديث معهم، وأضحك تلك الضحكة العفويَّة، الخارجة من القلب، أحبُّ اللمات، والجمعات مع العائلة، والأقارب، والتَّحدث لوقتٍ طويل مع الأصدقاء…
هكذا دون أيِّ شيء، تحوَّلتْ حياتي، عانيت من أشياءٍ كثيرة، روحي مهمَّشة، انعزالية، لا أحبُّ سوى الوحدة، وحيدةٌ في كلِّ شيء، وأعاني من هذه الحالة، أحاولُ التَّأقلم مع النَّاس، ولكن تقبلي في المجتمع بطيءٌ، ومؤذي.
أحبُّ الليلَ، وأخافِ منه بنفس الوقت، أحزنُ كثيرًا، وأصبحت روحي حساسةً جدًا.
وقررتُ أن ألقي زجاجتي في البحر لعلَّ أحد المارة يقرأها، ويفهم مقصدي، ويدعو لي الدَّعوة الأقرب لقلبي: جبر الله قلبك يا صغيرتي".
بعد قراءتي لهذه الرِّسالة قررتُ أن أذهب وأتحدث إليها في اليوم الَّذي يليه؛ لأنِّي لم أعتد على رسائلٍ هكذه من طفلةٍ بهذا العمر، كانت رسالةً مؤلمةً جدًا، شعرتُ بأنَّها طفلتي، وأنَّها ابنتي الصغيرة، مسكينةٌ هي، فلم تجد من تخبره بأوجاعها الداخليَّة، ولا تجد من يشرح لها ما يحدث معها، ولا تجد من يمسك بِـيدها، ويقول لها: "أنا بجانبك"، شعرتُ أنَّها ابنتي، شعرتُ بالمسؤولية اتجاهها ربَّما لأنِّي قرأتُ يومياتها، لكن بعد فترة بدأتْ يومياتها تصبح مؤلمةً للغاية، وعند هذهِ الرِّسالة قررتُ فقط أن أؤدي لها دور الأب، قررتُ أن أذهبَ في اليوم التَّالي، وأن أسندها، ولو على الأقل لبضعٍ من الوقت.
وضعتُ الرِّسالة على المنضدة الَّتي بجانبي، شعرتُ أنَّني أتأمل تلك الفتاة بتأملاتي لتلك الرِّسالة، أغلقتُ عيناي، وحلمتُ بأنِّي أقومُ بدور الأب معها، لم يرزقني الله بالأطفال، ولكن كنتُ أراقب رسائلها كلَّ يوم، وأشعر بفرحها وحزنها، عشتُ حقًّا معها دور الأب. وكل دروب الشعور من فرحٍ أو حرنٍ في روحها. شعرتُ بِما لم يشعر به كثيرٌ ممن كانوا من المفترض أن يلعبوا دور الأب.
النَّاسُ لا تعرف قيمة الأشياء الَّتي يعطيهم إياها رب العالمين حق قيمتها، والجاهل لا يدرك حقيقة الدرر إلّا بعد فقدها، والبليد لا يكترث للأشياء الحميمة صغيرها وكبيرها. الله عندما يرزق النّاس، فإنهم مطالبون بِأنْ يدركوا قيمة النَّعمة الَّتي بين أيديهم، أمّا البشر، فإنَّ كثيرًا منهم "لا يعقلون".
حقًّا ... لا يدرك معنى النِّعمة إلَّا الَّذي قد حُرِمَ منها.
كلمات: إيمان مروان عبد الغفور
تحرير النشر وتدقيق: دعاء العوايشة
كتاب: ليلة ونهار وعمرٌ مليءٌ بالأسرار
فصل: الحكايات في زجاجة
إعداد الكتاب: دعاء العوايشة وفاطمة سمير
💙💙💙
ردحذف❤️❤️❤️ ماشاءالله عنك ايمانو
ردحذفموفقة يقلبي مبدعة ومتيمزة كالعادة♥️♥️♥️
ردحذفموفقه زميلتي ♥️
ردحذفايمان اكتبي قصة عن احدى معانات الفلسطينيين بعملها مسرحية
ردحذفكاتبة نص عن الموضوع
حذفالف مبارك يا بنتي بالتوفيق يا رب ❤❤❤
ردحذفمبدعة💙
ردحذفمبدعة💙
ردحذفاحلى كاتبة 💜
ردحذفبالتوفيق يا رب 💚💚
ردحذفأفكارك دائمًا عميقة وجميلة، كتاباتك تلامس القلب والروح، لا غيب الله عنا حسكِ الجميل وكلماتك الأجمل 💜💜💜
ردحذفما شاء الله عنك أمون .. اشي بجنن .. بالتوفيق 💛
ردحذفبالتوفيق إيمان💙
ردحذفما شاء الله عنك ايمان موفقه🤍🤍
ردحذفبالتوفييق يا رب 💚
ردحذفموفقةة يا رب💚💚
ردحذف