قصةٌ قصيرةٌ إبداعيةٌ بعنوان "قديس بضعهُ إبليس" من كتاب "ليلة ونهار وعمرٌ مليءٌ بالأسرار" للكاتبة الفلسطينية المبدعة جدًا رنيم ذاكر ناصر.

قديسٌ بضعه إبليس

"لم يتركني طيفها، فمازال يطاردني كاللعنةِ الأبديَّة، ظننتُ بأنِّي غسلتُ عاري بقتلها، ولكنني غسلتُ نفسي من الإنسانيّة ليس إلَّا.

مازالتْ تقتلني تلك اللحظات كلَّما تذكرتها، كيف بكامل الوحشيّة أمسكتُ رأسها، وأجتثثتهُ عن جسدها الطَّاهر متفاخرًا بالَّذي فعلته، وكان كُلُّ خطئها بأنَّها أحبت!.

لقد كان ذنبها الطَّاهر، ولكنني في لحظةِ وسواس ظننتُ بأنِّي الربُّ كي أحاسبها، نسيتُ بأنِّي مجرد صعلوكٍ في هذه الدُّنيا، وأنَّ هذه الدُّنيا على رحبها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فمن أنا إذن؟ 
"الدُّنيا دوارة شو ما عملت رح يرجعلك بالأخر" 
هكذا كان يقول أجدادنا، لم أعي تلك المقولة إلَّا بعد فوات الأوان، كانت البراءةُ عنوانها، وحتَّى حبُّها كان طاهرًا، طاهرًا إلى حد القدسيّة تجاهي، ولكنني أنا بنجاسة روحي، وسوداويّة قلبي، وشهوتي القبيحة نجستُ براءتها، وسلبتها منها، وبعدها تركتها ملقاةً على الأرض في منتصف الطَّريق دون رحمة، ولأكون على مصداقيّة أشبِّهُ نفسي بالكلب الَّذي أشبع رغبته، ونفسه الشَّيطانيّة، كلُّ هذا القبح  كان بداخلي، لم أجعل من نفسي ملاكًا إلَّا أمام شقيقتي، والنَّاس، ولكنني لستُ إلَّا شيطانَ الهلاك، الَّذي ينطبق عليه مسمى "قديس بضعه إبليس".

حينما عرفتُ بعلاقتها، وعلى الرّغم من أنَّهُ تقدَّم لخِطبتها إلَّا أنَّني وقفتُ بوجهِ حبِّهم، ولطختُ يداي بدمائه الطَّاهرة خوفًا من أن يفعل بها مثلما فعلتُ أنا.

أتمنى من الله الغفران، ولكنني مقبلٌ على الانتحار، وصدقًا لا أدري كيف سيكون العذاب، ولكنه سيكون أرحم من عذاب الضَّمير، والنَّدم، إنَّهُ قلبي البلد الأكثر حسرة، فلا الكتمان استطاع احتوائي، ولا البوح استطاع إنقاذي، كلُّ شيءٍ انتهى،  لقد أسأتُ للربّ، والبشريّة، وأعمالي لم تكن كافية، كلُّ شيء ضاع، وأعتقد بأنَّ النِّهاية قد حانت!.
 
هذا ليس احتضارًا، إنَّهُ ميلادي الجديد، ميلادي في قعر الجحيم نحو اللارأفة لمقترف فعلٍ شنيعٍ مثلي، ولكنها النِّهاية لهذه الحسرة لذلك أنا سعيد".

كانت تلك أغرب رسالةِ انتحار قد قرأتها في حياتي خلال سنوات عملي كبحار، فعجبًا للإنسانيّة كيف استحوذها الشَّيطان، فالنَّاس أجمع هيئتهم من طين، وروحهم من نفحات جهنم، بات العالم مخيفًا، فلا ريب أنَّها النِّهاية… حروب، جثث، أفعالٌ لا يستطيع العقل البشري استيعابها، ثمَّ يقولون: "لماذا يزداد العالم سوءًا؟!"، قال تعالى: (إنَّ الله لا يغير مافي قومٍ حتى يغيروا مافي أنفسهم). 

أين أنتم يا أمّة اقرأ؟،  ما الَّذي يحدث حقًّا؟، إنَّهُ من الأجدى أن نُسمى بأمَّة الجهل في هذا الزَّمان، فالحبُّ شيءٌ أقرب إلى القدسيّة، الحبُّ ذنبٌ طاهر، الحبُ يضعهُ الله بالفؤاد، ولا كلمةٍ له إذا قضى أمر الله، فالله يزرعه فينا، وبداخلنا، بين الأربع والعشرين ضلعًا، فلو أنَّهُ لم يكن بتلك الطَّهارة لما قذف الله بقلبِ محمدٍ ﷺ حبَّ خديجة.
 
ولو كان الفراق سهلًا لما سُميَّ عام فراقه ﷺ لخديجة بعام الحزن، فاتقوا الله فيمن توَلون، وعودوا إلى الله ولو أذنبتم ألف مرَّة، فالله رحيمٌ على المرء أكثر من نفسه.






كلمات: رنيم ذاكر ناصر
تدقيق:خلود الهاشمي
تحرير النشر: دعاء العوايشة
من كتاب: ليلة ونهار وعمرٌ مليءٌ بالأسرار.
فصل: الحكايات في زجاجة. 
إعداد الكتاب: دعاء العوايشة وفاطمة سمير

تعليقات

  1. رنيممم وإبداعاتها على التوالي🤍🤍🤍🤍🤝

    ردحذف
  2. كاتبة بمعنى الكلمة🤍

    ردحذف
  3. والله مبدعة❤️😍
    الف مباارك زميلتي

    ردحذف
  4. ماشاءالله تبارك الله جميله جدا الى الاعلى أن شاء الله بالتوفيق

    ردحذف

إرسال تعليق