ثلاثة أشباح باتت تطاردها مؤخراً، كانت كل ليلة تحاول الهروب خوفاً من أن تظهر أشباحها الثلاثة.
تهرب بعيداً لعالم الأحلام ولكن هناك في عالم الأحلام يبدأ الكابوس مجدداً ويعيد نفسه مراتٍ ومرات فهذه الأشباح لا تريد أن تتركها هادئة البال حتى في أحلامها ليتحول نومها إلى جحيم..تنهض في الليل كعادتها مفزوعةً من كوابيسها المستمرة التي باتت تنهش رأسها في كل مرة تضع فيها رأسها على الوسادة أملاً بنوم عميق لكن الواقع كان له رأي آخر فالكوابيس باتت مستمرة منذ شهور وهذا الأمل بدأ يتلاشى والأشباح بدأت تظهر حقيقةً بشكل أشد قسوة ولكنها لا تظهر إلا عندما تكون وحيدة أو سارحة في الفضاء لتتأمل حالها الذي وصلت إليه وكأن أشباحها باتت تعرف أوقات شرودها أكثر منها فتصطاد أوقات الصفاء والهدوء لتعكرها من جديد.
كانت تلك الفتاة سابقاً طموحة تركض وراء كل شيء وفي النهاية لا تحصل على شيء، كأنها تبعثر جهودها في الفضاء.
شبح الماضي لم يتركها وظل متعلقاً بها فكان يبدو لها بهيئتها حين كانت فتية قبل أن تلوثها ضغوطات الحياة وكانت في قرارة نفسها تركن إليه حيناً وحيناً أخرى تأبى الرضوخ لتهيؤاتها التي تجري في رأسها مجرى الدم وتشعرها بالندم على كل الليالي التي فاتت ومضت من عمرها هباءاً فأسرفتها في الحسرة على الذكريات هيهات تعود بها الأيام لتمسح الماضي وأحزانه بممحاة الزمن وتغيره للنسخة التي تريدها.
أما الشبح الثاني فكانت هي ولكن بالحاضر، كانت ترى نفسها مهشمة الوجه مشوهة الجسد..ربما هذا ما تراه في نفسها إنها ترى نفسها تلك الفتاة التي وإن بذلت ما بذلت فهي تبقى تلك الفتاة الوضيعة التي لا فائدة منها، تلك الفتاة التي هشمها الزمن وشوه فكرها فبقيت روحاً مشوهة تتساقط منها قطعها الواحد تلو الآخر.
الآن الشبح الثالث الذي يقف ناظراً إليها بحسرة وحاملاً بيده سوطاً يجلدها كل مرة محاولاً إيقاظها من شرودها ومقاطعاً جلستها الكئيبة مع الماضي والحاضر..لقد كان مسقبلها يأبى الانصياع لماضيها وحاضرها ولكنه لم يكن يدري ما يفعل، هو فقط يشعر بالحيرة مثلها ولكنه يكره الحال الذي آلت إليه الأمور، فقط كان يريد التغيير بأي آلية دون أن يعلم الطريق.
إلى أن أدركت تلك الفتاة أن الخيالات والأشباح التي تكبل هدوئها بأكبالٍ قاسية ما هي إلا أفكارٌ زرعتها في رأسها فباتت عائقاً، أدركت أن الذي فات مات فالماضي مضى ومايا الصغيرة كبرت ولم يكن بإمكانها تغيير بعض الأحداث ولن يمكن بأي حال من الأحوال الرجوع وتغيير الماضي أما الحاضر فهو ملكها وبإمكانها أن تغير أفكارها عن نفسها، تلك الأفكار التي زرعها المجتمع وهي بدورها ساعدت تلك الأفكار كي تنمو وتثمر قيوداً أسرت قلبها وعقلها..أدركت أخيراً أن عيوبها لابد من تقبلها لتتغير وتتطور للأفضل فبدأت تجتث جذور الأفكار الماضية المشوهة تتألم، تعاني في صمت وتارة تصرخ ولكن إن لم تتألم لن تتعلم شيئاً.
مايا الصغيرة الآن كبرت وأصبحت في الحاضر ولكن ماذا عن المستقبل؟ هل ستبقى كمراقب خارجي للأحداث أم ستضع خطة تغير بها نفسها؟
أبت مايا الاستسلام بعد هذا العذاب وقررت وضع خطة تغير بها كل شيء لتمسك زمام الأمور وتقود أشباحها مروضةً إياهم لتكمل مسيرتها فلا يمكن للماضي ولا للحاضر
أن يمحى بل يكرر نفسه في صور أشد وحشيةً إن استمرت بالهروب منه.
تعلمت مايا كيف تقود نفسها في سبيل أهدافها وقد أدركت أن الطريق طويل فلابد لها أن تمسك ذاتها المكونة من ثلاثة أشباح خوفاً من أن تتمزق وتتفرق مجدداً لتسير بتأني مانحةً نفسها قدراً من الهدوء والراحة كلما تطلب الأمر.
فكم من مايا تعيش حولنا؟ وقد نكون مايا ولا ندري؟ ألم يحن وقت التغيير؟
كلمات: د.صبا حجازي.
تحرير النشر: دعاء العوايشة.
تعليقات
إرسال تعليق