قصة "الرؤيا" للجزائرية بسمة بوكحيلي.

 الرؤيا


بعد عصر يوم الأحد، والجو يميل إلى البرودة، امتلأت ساحة قرية "العيون" بسيارات الشرطة وتجمهر الناس حولها بنظراتهم الفضولية، علت الأصوات "ماذا يجري؟"، "ما الذي يحدث ؟"، حتى نزل الظابط من سيارته: "نبحث عن نزار همشي، إنه معروف هنا بالصياد"، نعم إنه معروف بالصياد لكثرة سرقته ليلا ونهارا أيضا.

"آه، ما الذي سرقه هذه المرة؟"، تساءل رئيس القرية، فرد الظابط: "هذه المرة سرق محلا للمجوهرات في المدينة وقتل أربعة أشخاص يعملون فيه، ثم حرقهم"، "ذلك المجرم، ليست هذه الأفعال غريبة عليه"، جمع الرئيس كل السكان وأمرهم بالبحث عنه والإبلاغ عن أي حركة منه.

استمر البحث لأسبوع كامل دون جودى، كان "الصياد" معروفا بخداعه ومكره، لكن هذه المرة كان مختبئا وسط الغابة المحيطة بالقرية دون حيلة، فكل القرية إضافة إلى الشرطة تبحث عنه، لا بد أن قتل أربعة أشخاص ثم حرقهم عمل لم يغفره له أهل القرية هذه المرة، لقد اعتادوا منه على أعمال السرقة الصغيرة كالبيض والدجاج والأغنام، وكل من قتلهم من قبل كانوا مجرد سارقين من أمثاله، الأمر مختلف هذه المرة، يبدو القرويون متحمسون للنيل منه خاصة أن الشرطة تتدخل لأول مرة للقبض عليه ومحاكمته محاكمة عادلة، فكل ما كانت تفعله في أعماله السابقة مجرد إدخاله إلى السجن وإخراجه بعد شهور "السجن منتجعي، لكن هذه المرة قد يكون سجنا حقا"، هكذا فكر "الصياد" وهو يدخل رأسه بين الشجيرات لينتقل إلى طرف القرية الآخر حاملا صرة كبيرة من المجوهرات، بينما سيارات الشرطة تمر بين الفينة والأخرى لتمشيط المكان.

"أوه، أرى خاطبا غنيا سيطرق بابك قريبا يا بنيتي"، هذا ما قاله أشهر رجل في قرية "العيون" وما جاورها من القرى لفتاة كانت تشكوا من أنها لم تتزوج وهي في الخمسة والعشرين من عمرها، الشيخ "نوري"، أفضل ساحر ومستبصر وقارئ كف عرفته المنطقة، حتى أن على الزائر أخذ موعد قبل شهر لتسنح له فرصة رؤيته. أنهى الشيخ يومه المتعب وأغلق بيته عند العاشرة ليلا، لكن هناك من رمى حصاة على نافذته، مرة ثم أخرى، حتى خرج الشيخ ليستطلع الأمر: "الصياد؟" بهت الشيخ لرؤية من يبحث عنه كل من في القرية أمام منزله، "مرحبا شيخي، أريدك مساعدة صغيرة" هكذا ابتدأ "الصياد" كلامه.

الشيخ: "أنا لا أخدم المجرمين، اذهب".

الصياد: "لن أنسى أتعابك يا شيخي" قالها وهو يهزّ صرته من المجوهرات المسروقة.

في اليوم التالي، اجتمع كل أهل القرية، فقد رأى الشيخ "نوري" رؤيا، حتى أن بعض سكان القرى المجاورة قد حضر لهذا الحدث الجليل، وخرج عليهم الشيخ: "يا أهلي وأحبابي، لقد رأيت البارحة أن الصياد بريء مما قاله أهل الظلم، هو لم يسرق ولم يقتل أحدا، حتى أنني رأيت المسكين نائما في الغابة باردا وأعرف مكانه جيدا، إن كنتم ستحمونه لأنه بريء ولأنني سأحميه فسأدلكم عليه لتطعموه وتدخلوه بيوتكم، وإن لم تصدقوني فأنا بريء منكم"، كثرت التعجبات والتمتمات لكن الجميع صدّق الشيخ واتجهوا معه نحو الغابة لانقاذ الصياد المسكين من البرد والجوع، وصل الظابط بعد سماعه لهذا الخبر، ورأى أهل القرية يشكلون جدارا حول "الصياد" ويأمورون الشرطة بتركه فهو بريء، رد الظابط: "بصماته موجودة داخل صناديق المجوهرات، وهناك من رآه هاربا من المتجر وعليه دماء، إذن فهو السارق والمجرم، سلموه حالا"، لكن هذه الكلمات والأدلة لا تقارن برؤيا الشيخ وتشابك أيادي القرية لحماية الصياد، فانسحب الظابط خارجا من القرية يفكر في طريقة لدخولها سرا واعتقال "الصياد".

ليلا تقاسم الشيخ مع الصياد بعض المجوهرات، لكن "ليس هذا ما اتفقنا عليه، هذا ليس نصف ما سرقته"، هكذا بدأ نقاش حاد بين الشريكين، وانتهى بأن تظاهر الشيخ بالرضى وتركه الصياد مهددا إياه بالقتل إن طلب أي قطعة أخرى.

في صباح الغد جمع الشيخ الناس مجددا: "يا أحبابي، لقد كانت تلك رؤيا من شيطان الجن ليحمي شيطان الانس، الصياد قاتل وسارق، والمجوهرات التي سرقها في بيته، وهو مشعوذ، لقد رأيت كل شيء البارحة، يا أهل "عريني" هو من وضع السحر في بيتكم لينشر الخصومة بينكم، يا أهل "حوبي" هو من قتل أخاكم، يا بنت "سبتي" هو من عطلك على الزواج، يا ابن "مصطفى" هو من عطلك بسحره عن العمل..." هكذا استمر الشيخ حتى جرّ سكان القرية "الصياد" بمجوهراته إلى الشرطة المخيمة على أطراف القرية، كان الصياد يصرخ: "هذا الرجل مشعوذ كذاب، هو من خبئني بالأمس، وأعطيته من مجوهراتي، هذا الرجل مخادع"، لكن لم يصدقه أحد. 

الظابط للصياد: "هل تعلم، لقد كنت ذكيا جدا، لكنني شخص ذكي أيضا وتبعت خطواتك، في المرة القادمة إن كانت هناك مرة قادمة، عندما تتفق مع مشعوذ فاعطه ما اتفقتما عليه، لأن رؤياه أفضل من المحامين ومن الشرطة ومن الأدلة، أيها الغبي".


تأليف: بسمة بوكحيلي

الولاية: سوق أهراس


تعليقات