حَقِيقَةٌ مُلَونةٌ
وَكَم مِنَ الأَوجَاعِ مَا عَبَرَ مِنَّا، وَلَكن دَونَ أَلَم، وَكَم مِنَ الأَفرَاحِ مَا شَعَرنَا مَعَها بِبعضٍ مِنَ الحُزنِ، وَكَم مِن شِدَّةٍ لَم تَزلْ إلا بِتَضْحِياتٍ عَظِيمةٍ، وَكَم مِن سَعَادَةٍ استَنزَفَتْ مِنَّا كُلَّ الثَّمن.
يَا لَكُم مِن مُخَادِعِينَ تُزْهِرُونَ بِأَلوانِ العَذَابِ التِّي نَتَذوق، وَكَم أَنتم مُنْكِرُونَ لِوَقَفَاتِنَا بِجَانِبكم دَائمًا وَكَأَنَّنَا لَمْ نُخْلَق.
وَإنِّي لَأَرَاكُم تَحتَفِلُونَ بِإنجَازِكُم الزَّائِفِ وَتُعَبِّرُونَ عَن مَشَاعِرِكُم الكَاذِبة، وَإِنِّي لَأكَادُ أُصَدِقُ مَا كَنْتُم تَقُولُونَ، لَولَا أَنَّنِي أّعرِفُ حَجْمَ الأَلَمِ ذَاكَ، وإِنِّي تَجَرَّعتُ الأَذَى أَكثَرَ مِمَا ظَننتُم. شُكْرًا لأنَّكم كَنتُم دَائِمًا هَكَذَا، شُكْرًا لأنَّكُم مُؤذِيُون.
وَلَكِن لِكُلٍّ مِنَّا أَكبر مِمَا يَتَخيَّل مِنَ الوَجَعِ وَالهَمِّ والحُزْنِ بِدَاخِلِهِ، وإنَّهُ لَيَصْعُبَ عَلَى المَرءِ أنْ يَنَامَ وَغَيرُهُ مِنَ الوَجَعِ يَكَادُ أنْ يَفتِكَ، وَأَنْ يَتَأَمَّلَ مِن دَاخَلِهِ وَمِن مَرَارَةِ الشُّعُورِ، وَأَنْ لَا يَعلَمَ مَا يَنتَظِر مِنَّا أبَدًا، وَإنَّهُ لَرَبُّ الْعالَمِينَ شَهَدُ عَلَى كُلِّ وَجَعٍ نَحْنُ فيهِ، وَعَلَى كُلِّ فِرَاقٍ نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى كُلِّ أَلَمٍ نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا نَنتَظِر وَلَا نَعلَمُ مَا يَخْفَى فِي أَنفُسِنَا، وَإِنَّهِ لَتَحَطَّمَتْ قُلُوبُنَا وَتَأَكَلَتْ كُلُّ الطُّرقِ الَّتي تُؤدِي إلى أَنفُسِنَا، وَإِنَّا قَد فَقَدْنَا جَمَالَنَا وَلله دَرُّ قُلُوبِنَا الِّتي تُكْسَر، وأنْ نَرَى أَنفُسَنَا قَد هَرِمنَا وَقَد عَبَرَ الزَّمَانُ مِنَّا وَأَحِبَّتَنَا هُم مَن دَمَّرُونَا، وَإِنَّ آلَامَنَا الِّتي تَرَاكَمَتْ فَوقَ قُلُوبنَا قَد أَكَلَتْ مِنَّا كُلَّ وَجَعِ السِّنِين. لله دَرُّ قُلُوبنَا
فَقَدْتُ كُلَّ شَيءٍ مَا عَدَا تِلكَ النَّفَس، مَا زِلتُ أَتَجَولُ بَحْثًا عَنْهَا، فَمَا عَادَ بِدَاخِلِي الكَثِير مِنَ القُوةِ لِأَبْحَثَ هُنَا وَهُنَاكَ، فَأخرُجُ بَاحِثًا عَن مُمَاثِلٍ، فَلا أستَطِيعُ العَودَةَ لِنفسِي؛ فَلَا وُجُودَ لِنفسِي بِلَا مُتَنَفسُهَا، كَأنَّ مَا أَحمِلُهُ عَلَيهِ عَرَبَةً لَعِينَةً اعتَدْتُ عَلَى رُؤيَتِهَا فِي أَطَرَافِ المَكَانِ الَّذِي فَقَدْتُ فِيهِ نَفسِي...
كُلّنَا نَعلَمُ أَنَّنَا لَسْنَا كَذَلِك، وَلَكِنْ يَا صَاحِبِي كَيفَ لَنَا أَنْ نَتَوَارَى مِن أَقْدَارِنَا ! وَمَا زِلْنَا نَرْسِمُ عَلَى كُفُوفِ القَدَرِ أَحلَامَنَا وَنَرْفَعُهَا عَلَى مَنَابِرِ الدُعَاءِ فَي قُلُوبِنَا وَنُعَانِقُ بِهَا جَوانِبَ الغُيُومِ؛ لِتَحمِلَهَا وَنَتَسَامَرُ مَعَهَا بِصُبْحَةِ قَمَرٍ مُنِيرٍ عَلَى أملٍ أَنَّنَا عَلَى لِقَائِهَا يَومًا مَا، وَلَكِن دُونَ أَنْ نُدْرِكَ سَنَسِيرُ عَلَى بَوصَلَةِ قَدَرِنَا مُجدَّدًا.
كلمات: إسراء شاكر الصرايرة.
تدقيق: علياء حميد محمد.
تحرير النشر: دعاء العوايشة.
تعليقات
إرسال تعليق